أدب تونسي : أفريقستان ، الكتاب الملعون
بعض الكتب يمكن تذوّقها، والبعض الآخر يمكن
ابتلاعها، والقليل منها تمضغ وتهضم.”
فرانسيس بيكون
رواية افريقستان تندرج ضمن الأدب التونسي للكاتب عبد الجبار العش .
من هو عبد الجبار العش ؟
• عبد الجبار العش هو كاتب تونسي اقرب الى ” المهمش ” ولد سنة 1960 ، معلم تربية بدنية. و رغم ان اختصاصه بعيد عن التوجه الادبي الا انه استطاع تكوين نتاج روائي ، رغم قلته ، غريب و مميز
له ثلاث روايات : وقائع المدينة الغريبة 2000 ، افريقستان 2002 و محاكمة كلب 2008 و ديوان شعري وحيد : جلنار 1998 .
كما انه تحصل سنة 2001 على جائزة الكومار الذهبي عن روايته وقائع المدينة العريبة .
عن الرواية :
رواية افريقستان ، عمل متوسط الحجم ، قد تعيد صلتك بالادب التونسي . فهو يعطي وجه اخر لاهتمامات الادب التونسي في صلة مع ماهو عالمي و الادب العالمي
عنوان الكتاب ” افريقستان ” يترك مساحة كبيرة من التأويل ، تأويل قد يتزايد بعد قراءة الرواية لكنه في ارتباط مباشر مع مكان الرواية .
يبدأ الكتاب بطريقة سلسة و مفزعة كسيناريو فيلم : بطل الرواية يرى ما وراء الاشياء ..
الاشباح و الشخوص التاريخية و العوالم الخفية تصبح جزء من حياته ، و في اطار العمل الميداني الذي يقوم به، يتحول الى بلد في افريقيا -شمال افريقيا بالتحديد- و من هنا تنطلق القصة المحورية في الكتاب.
الكتاب يحملنا في خطين متوازيين : قصة الراوي و قصة ما يراه الراوي
احلام الراوي و مشاكله و ازمته مع قدرته الخارقة مقابل العالم الموازي الذي يتكشف للراوي و احداثه و ازماته ..
لكن هذين الخطين المتوازيين يلتقيان في نهاية الكتاب و تجعلان الكاتب على حافة الجنون .
رواية تكشف صورة الانسانية المشوهة بامتياز ، منذ بدايتها الى زمن كتابة الرواية ، تجمع السياسي و التاريخي داخل اطار متخيل. ان الواقع الملوث الذي يصفه لنا الكاتب في روايته ، وليد انسانيتنا و انانية الافراد و بطش السلطة .
الجميل في الرواية ، انها لم تسقط في التجريد ، كما أنها لم تسقط في المباشرتية بل تركت للقارئ الحرية في تأويل و ربط الاحداث حسب السياق التاريخي الذي يناسب مرجعيته ، في النهاية ، لظلم و البطش أوجه متعددة داخل التاريخ.
من ناحية أخرى ، ما يجعل من هذه الرواية مميزة ، هي انها تعج بالمراجع ، من اسماء شخوص تاريخية مؤثرة و كتاب و فلاسفة و آلهات اغريقية و رومانية .. هي مزيج من الشخصيات المتضادة و البعيدة زمنيا و مكانيا ، حاول الكاتب لم شملها داخل هذه الرواية .
مكانيا ، اختيار الكاتب لافريقيا كمجال عمل لرواية ، لم يكن اعتباطيا ، أم القارات أو القارة العجوز .. ساحة حرب -كانت و مازالت- مكان احتضن العديد من الافات و الكوارث و الملاحم ..
زمانيا ، كانت الرواية بدون تحديد زمني دقيق ، و هذا ما يساعد على اضفاء المزيد من البعد الرمزي للقصة .
الرواية ، من الكتب التي تدفعك الى التفكير و التاويل ، فهي ليست معطى جاهز بل هي كم هائل من التأويلات ، قد تشتتك أحيانا .
ان ما يجعل هذا الكتاب جديرا بالقراءة ، رغم النسق البطيء في الاحداث ، هو انه يحمل قضايا انسانية عميقة ( السلطة ، الوهم ، التفاوت الطبقي ، العنف الرمزي .. ) من خلال قصة بسيطة قابلة لتأويل .